صحوت من نومى العميق و لا أعرف كم نمت، كانت الغرفة نصف مضاءة نصف مظلمة عندما دخل رجل عجوز
لم أتبين ملامحه .. و لكنى أحسست بخطواته الهادئة المتسللة إلى قربى .. باغيا عدم أزعاجى.. سمعت صوته
- صباح الخير يا بنى
من صوته عرفته - انه عمى -
- صباح الخير
- أهلا بك من جديد
لم أفهم قصده .. و أحس هو بذلك فقد كان له من الاريحية الشىء الكثير.. قال
- سوف تستلم الميراث
- أى ميراث ؟
- ميراث جدك ووصيته
- بورك جدى و طال عمره ، ما الداعى
- لقد مات أبوك
- كيف ؟
- دفناه فى أطراف الحديقة
- متى ؟
- قبل أن تدخل فى نومك العميق
- لماذا لم يخبرنى أحد؟
- أنها وصية جدك،أقرأها لتعرف
- و أين أطراف الحديقة؟.. لقد عشت عمرى كله فيها و لم أرى لها سورا!.
- فى الطرف الغربى.. بعد أن تغيب الشمس
- هل هى غائبة الأن؟،أريد أن أزور أبى
- إن الطريق واضح .. جهة الغرب .. اذهب محتشدا لتراه
يممت طرف الحديقة الغربى و رأيت أبناء عمومتى يمرحون فى حديقتنا الوارفة ..ببراءة و ثغاء خراف يملأ الهواء فى مرعى مترامى الأطراف....إنهم سعداء أو يبدو ذلك ... هم أخوتى و أبناء أعمامى ...هل أنا مثلهم من السعادة و اللامبالاة ؟
عندما غربت الشمس ظهرت مقبرة، إنه قبر أبى، قضى عمره فى زراعة هذه الحديقة ورعاية سكانها ... استعان بى مرة فى زرع شجرة
و أخرى فى حفر بئر ، كنا وحدنا ... لم يطلب مساعدة من أحد من أعمامى أو أبنائهم .... قالوا كان يعمل وحده و لم يساعده أحد الا أنت
كان قبره ككل القبور ، لكنه قبر وحيد و عندما تجاوزت القبر لم أجد أطراف الحديقة و طلعت الشمس من جديد ...عدت مسرعا الى شاهد القبر حتى تغيب الشمس.وقفت صامتا أمامه مستحضرا صورة أبى و نشاطه كل صباح، لكنه لم يمرض ليموت و لم يصبه شىء و لم يؤذه أحد ... عدت الى عمى.
مشيت ما أعتقد أنه جهة الشرق وجدت الخراف نائمة و أبناء عمومتى يدخنون ملتفين دوائر فى أنتظار الشاى أو العشاء، لم يكلمنى أحد منهم و لم يعرنى أى منهم أنتباها عندما تجاوزتهم وجدت عمى منتظرا، كان الشيب قد كسا رأسه بشكل لم ألحظه من قبل، ايضا لم ألحظ هذه العصا من قبل، عمى هو أكبر أعمامى و إن كان أبى الاصغر لا اعرف كم من العمر يبلغ و لا أعرف ما دوره فى هذه الحديقة لكنه الان يتكلم عن وصية جدى.
- البقاء لله.قال معزيا
- أن لله و إنا أليه راجعون
- هل اطلعت على وصية جدك؟
- و كيف أقرأها و اين هى؟
- عند القبر أو فى الطريق منه أو إليه
- هل هى بعد القبر؟
- لا لا لا تكن غبيا.. عنده أو فى الطريق
- هل قرأتها أنت يا عماه؟
- نعم... و بكل وضوح
- و أبناء أعمامى؟
- يالغباؤك
هل هى من الوضوح الى هذا الحد ..قلت لنفسى
و بعد فترة من الصمت نهض عمى و قال
- تصبح على خير
لا بأس .. الميراث و الوصية.. و الميراث غير الوصية هذا فى عرف حديقتنا فلنبدأ بالميراث و نؤجل الوصية الى زيارة ثانية للقبر.
قبر أبى الفريد المنفرد الذى عاش وحده و مات وحده و دفن وحده
درت دورة واسعة فى الحديقة و لم أحط بها و لكن حاولت دائما ألا أبتعد عن وسط الحديقة حيث الحظائر و المساكن و الأشجار و معظم الأبار و سجلت ملاحظاتى فيما ينبغى عمله، و فى الصباح وجدت نفسى وسط أبناء أعمامى فى ساحة الرعى و حوالينا الخراف طلبت منهم المعاونة فيما ينبغى على عمله من أعمال الصيانة العاجلة و طرحت عليهم خطتى و رؤيتى للحديقة و تصوراتى للمستقبل و حياتهم و حياة الخراف .... لم يقاطعنى أحد و لم يرادفنى أحد منهم باعتراض أو بموافقة .... كانوا يستمعون الى فى ذهول
أعلمتهم أن العمل سيبدأ من الغد و فى الغد كان على صيانة بئر فى وسط الحديقة كنت عند البئر و فى دائرة واسعة حوله كان هناك الخراف و أبناء أعمامى نظرت اليهم راجيا يد العون و لكن لم يبال بى أحد لا هم و لا الخراف .. كانوا سواء.
ألقيت أدواتى الأرض غاضبا يائسا و عدت أدراجى رأيت عمى على البعد كان ينظر الى من زاوية عينه و بشكل لم أستطع معه سوى الذهاب اليه .. وقفت أمامه و أنا من الغضب فى نهاية، قلت
- لم يعاونى أحد
- فى ماذا؟
- فى تنظيف البئر الكبير
- كيف حفره أبوك؟ ألم تسأل نفسك؟
- كيف؟
- حفره وحده، و لم يكن معه مالديك من أدوات
- و أين كانوا أخوته؟ و أين كنت أنت يا عماه؟
- كانوا فى الحديقة ، ولكنه لم يطلب مساعدة و لم ينتظر أحدا منهم
كدت أساله عن دوره و لكن تراجعت إنه أكبر أعمامى الذين ماتوا كلهم الا هو ، و هو الوحيد الذى رأى الجد الكبير من سكان الحديقة
- اقرأ الوصية و لا تتعجل الميراث
- عماه .. كم عمرك؟
- كم عمرك أنت؟
تبا لى لم أسأل نفسى هذا السؤال من قبل و لكنى أتذكر أبى عندما كان يغرس أشجار المانجو جنوبى الحديقة ، و أشجار المانجو الأن وارفة كغابة كثيفة لا ترى الشمس أرضها، هذا عنى فكم عمر عمى؟
- عماه ... من بنى البيت الكبير؟
- أبوك
- و هل كان جدى حاضرا؟
- نعم كنا نجلس سويا هناك - و أشار الى البئر الكبير - فيما كان أبوك يبنى البيت
- و هل جدى راض عن أبى؟
- كل الرضى
- و أعمامى؟
- ما عليك منهم، هم لم يطلبوا رضاه و لم يستفزوا سخطه
- و هل يعرفنى جدى؟
- تمام المعرفة...إنه يحبك.. و يشفق عليك
- ألا يخشى على حديقته منى؟
كلا ، إنه يقدر حبك له و حبك للحديقة و متأكد أن حديقته لن تبور.
-------------------------------------------------------------------------------------------
هذا البوست كتبته ونشرته فى فترة سابقة ولكنى أجد الظروف الراهنة مناسبة لنشره مرة ثانية
هناك تعليقان (2):
رائعه جدا القصه
انا تخيلت انها منقوله و انك نقلتها لانها اعجبتك
فعلا انا حاسس فيها بنكهة غموض كانها مكتوبه عن عالم الاموات احياهم الخيال
تحياتي
ذو النون:
هى من تأليفى وأنا أعتز بيها لأنى قدرت فيها أعبر عن وجهة نظرى السياسية والإصلاحية فيما يحدث حولى
إرسال تعليق